المتنبي و أم كلثوم على قائمة التطبيع

عدد مرات القراءة:

وصل قطار التطبيع الثقافي

إلى مقاهينا …

و صالوناتنا …

و غرف نومنا المكيفة الهواء …

و نزل منه أشخاص غامضون

يحملون معهم معاجم … ودواوين شعر

ومصاحف مكتوبة باللغة العبرية …

و يحملون معهم جرائد تقول

إن شاعر العرب الأكبر ..

أبا الطيب المتنبي

صار وزيرا للثقافة في حكومة حزب العمل ! !

و أن مطربة العرب الأولى

السيدة أم كلثوم

سوف تغني قصيدة جديدة لشاعر إسرائيلي

و هكذا يستقيل الشعر العربي من كبريائه

وتنسى عصافيرنا

غناء المقامات و التواشيح ! !

ـ 2 ـ

هذا زمن التطبيع … يا سيدتي

يهجم علينا بكل سماسرته … وشيكاته …

و مافياته …

ليجردنا من آخر ورقة توت … تستقر بها

أجسادنا …

آخر قصيدة ندافع بها عن أنفسنا ..

هذا زمن ( التركيع ) .. يا سيدتي

يدخل علينا …

مرة بشكل فيلسوف ..

ومرة بشكل كاهن

و مرة بشكل جنرال

و مرة بشكل كومسيونجي .

إلى أن يصبح الوطن العربي

مركزا للصرافة …

وبيتا للدعارة ! ! ..

ـ 3 ـ

تطبيع في الصباح و تطبيع في المساء

و تطبيع في الشارع

وتطبيع في المقهى

حتى صرنا ( طبعة ثانية )

صادرة باللغة العبرية ..

من كتاب الأغاني ! ! ..

ـ 4 ـ

لذلك فكرت في تطبيع علاقاتنا العاطفية …

قبل أن يصل المقاولون …

و المتعهدون …

و تجار الشنطة

و مندوب صندوق النقد الدولي ..

و ممثل G . A . T . T

وقائد حلف الناتو …

و أميرال الأسطول السادس .

ورئيس مجلس إدارة النظام العالمي الجديد

وعندئذ … يكون كل شيء جاهزا

للتوقيع على شهادة وفاة التاريخ العربي

بالسكتة القومية ! ! …

ـ 5 ـ

أريد أن أطبع علاقتي …

مع امرأة من لحمي و دمي …

تعبق بشرتها

رائحة النرجس ، و الريحان ، و الورد البلدي

و الصابون النابلسي …

و تتجمع في صوتها … أسراب الحمام …

وشُتول الياسمين الدمشقي …

ـ 6 ـ

أريد أن أشرب قهوة الكابوتشينو … معك …

و آكل مناقيش الزعتر معك …

و أتحدث في السياسة معك

وفي الثقافة معك …

وفي الحب معك …

و لا مع البولونيات …و الهنغاريات …

و التشيكيات … و الروسيات …

القادمة إلينا من حقائب أمريكية …

ومعهن .. كل عناوين البيوت الفلسطينية ! ! ..

ـ 7 ـ

أريد أن ألثم يديك …

قبل أن تفرغ أكواز العسل

و أن أتصالح مع شفتيك .

قبل أن يرحل موسم شقائق النعمان ..

و أن أعلمك أوزان الشعر

قبل أن يقتلوا الخليل بن أحمد الفراهيدي ! ! …

ـ 8 ـ

أريد …

أن أنام في جوف راحتيك الصغيرتين …

قبل أن نصبح ـ أنت و أنا ـ

أعضاء في نادي العراة

و أقلية مضطهدة

في وطن يتدحرج ككرة البلياردو

تحت سواحل البحر الميت .

ـ 9 ـ

أريد …

أن أسمعك قصيدة حب واحدة ..

فهذه فرصتي الثقافية الأخيرة

قبل أن يسجلوا صوتي

و يراقبوا هاتفي ..

ويراقبوا هاتفي …

ويختموا بالشمع الأحمر ذاكرتي …

هذه فرصتي الأخيرة …

حتى أدافع عنك … وعن حريتي

وعن زمن الشعر … و الياسمين …

ـ 10 ـ

أريد أن أحتفظ بآخر قميص كبرياء ألبسه

قبل أن يرموني كيوسف في غيابة الجب …

و يكتموا خبر موتي … عن أبي …

ـ 11 ـ

أريد أن ألتصق بك قليلا ..

حتى أشعر بشيء من الدفء

وشيء من الأمان

وشيء من الكبرياء

و حتى أشعر أن هناك امرأة …

تستطيع أن ترمم هذا الخراب

الذي يتراكم فوق قلبي …

وفوق دفاتري ..

ـ 12 ـ

ربما كان الحب يا سيدتي

تعويضا عادلا .. عن هذا السقوط القومي

الكبير …

وربما كان زورق النجاة الأخير …

في بحر الكراهية العربي …

وطوفان الشعوبية الجديدة …

ـ 13 ـ

إن العالم كله يدور من حولي

و الصفقات المالية تعقد من ورائي

و المقاولون يملأون فنادق المنطقة …

و البيع و الشراء في أوجه

و الدولارات تتناثر …

و الضمائر تتناثر …

و السماسرة يعدون الوثائق الرسمية …

لبيع التاريخ …

ـ 14 ـ

إن المشهد سينمائي حقا …

فثمة دولة من أقاصي الخليج

لم يسبق لها أن جرحت إصبعها

في أية حرب مع إسرائيل …

تتبرع بكتابة أول رسالة غزل مكشوف إليها …

قبل عيد فالنتاين بوقت طويل …

ـ 15 ـ

وثمة دول …

أخذتها نوبة من النوستالجيا

إلى رحاب المسجد الأقصى

فرمت سفراءها بالباراشوت …

ليحطوا سلاما على حائط المبكى …

باعتبارهم من أهل العروس ! ! …

حتى لا تضيع عليهم علبة الملبس …

وفرصة التقاط الصور التذكارية ! ! …

ـ 16 ـ

هذا هو مسرح اللامعقول

بل هذا هو المسرح التجريبي

الذي أدخل الجمهور العربي …

في مرحلة الكوما … و الصرع …

و انهيار الأعصاب …

ـ 17 ـ

الذين زاروا أخيرا …

قبر صلاح الدين الأيوبي في دمشق

قالوا بأنه مصاب بحالة اكتئاب …

و ممتنع عن قراء الصحف … ومشاهدة

التلفزيون

و إنه يرفض إجراء أي حوار مع الصحافة

العالمية

حول التطبيع … و المطبعين

و ( الهرولة ) … و ( المهرولين )

ـ 18 ـ

اسمحي لي يا سيدتي

أن ألمس قفطان البروكار الدمشقي الذي تلبسينه …

حتى أستعيد توازني النفسي … و القومي

فأنا لا أفهم …

لماذا لا يُطَبّع العرب مع العرب … أولا ؟

و لماذا يتقاتل التاريخ مع التاريخ ؟

و القبيلة مع القبيلة ؟

و اللغة مع اللغة ؟ ..

ـ 19 ـ

أريد أن أسأل …

لماذا في بلادنا ، تتقاتل الأفعال مع الأسماء …

و الألف مع الباء …

و الحليب مع الأثداء …

و تقف النساء ضد حرية النساء ؟

ـ 20 ـ

ثم لماذا يفترس الإسلام نفسه ؟

و تنفجر العروبة من داخلها …

كسيارة مفخخة ؟ ؟ …

ـ 21 ـ

متى أتعلم الواقعية ؟

أو ما فوق الواقعية ؟

و أركض مع الراكضين

للحصول على شريحة لحم من كثف الوطن ؟

حيث الذبائح كثيرة

و الذابحون أكثر

و أنا أتطلع إلى المنسف الكبير

و لا أتجرأ على مد أصابعي

لأن أمي ـ رحمها الله ـ ولدتني نباتيا

يأكل حشيش الشعر …

و حشيش الحب …

و حشيش الأحلام …

ـ 22 ـ

لماذا لم أتعلم من السلاحف فضيلة الزحف ؟

و من أسماك القرش … فضيلة الانقضاض ؟

و من العلق … فضيلة مص الدماء ؟

و من بعض الشعراء … فضيلة الشحاذة ؟

ومن المستبدين العرب

فضيلة أكل شعوبهم .

ـ 23 ـ

متى سأستقيل من المدرسة الرومانسية ؟

التي بقيت فيها خمسين عاما …

بهلولا يتسلى بكتابة الشعر !

ولم أحصل على صفقة واحدة …

أو على رشوة واحدة …

أو على فيلا واحدة …

أو على امرأة واحدة …

تتزوجني لوجه الشعر …

أو لوجه الأدب العربي …

أو لوجه الانحطاط العربي ؟ ؟ .

ـ 24 ـ

متى سوف أتوب عن الحب … و عن الصراخ

و عن الكتابة ؟

لا جواب عندي الآن لهذه الأجوبة المستحيلة .

و لكنني سوف أجيبكم بعد موتي ! ! …

هل تعرفين الآن يا سيدتي ؟

لماذا أريد تطبيع علاقاتي العاطفية معك ؟

لأنني أريد أن أحب امرأة عربية …

امرأة عربية واحدة

لا تحمل على جسدها آثار التطبيع ! ! …