الحجر الفلسطيني

عدد مرات القراءة:

هم الذين كتبوا ..

وهم الذين ألفوا ..

وهم الذين نزفوا ..

وهم الذين أمروني ، فأطعت ..

وحرضوني فصرخت ..

في كثير من الأحيان ، يتوهم الشاعر أنه سيد النص الذي

يكتبه ، في حين أن دوره الحقيقي في عملية الكتابة ، لا يتعدى

دور الممثل الذي يعيد كلمات الملقن ، ودور الأجير الذي يطيع

أوامر سيده …

و لا بد لنا من الاعتراف ، أن أسيادنا ، وأسياد الأدب العربي

في هذه المرحلة ، هم أطفال الحجارة .

فهم الذين بعثروا أوراقنا .. ودلقوا الحبر على ثيابنا ..

وانتهكوا عذرية نصوصنا القديمة .. وطردونا من وراء مكاتبنا

المكيفة الهواء

ثم لا بد لنا من الاعتراف ـ وإن كان الاعتراف موجعا ـ أن أطفال

الحجارة ( بهدلونا ) .. نحن الكتاب العرب الذين كنا

نتصور أنفسنا آلهة تمشي على ورق … وملوكا لا تغيب

الشمس عن قصائدهم ..

نحن لسنا في الحقيقة أكثر من ملوك من ورق … كلماتهم

من ورق .. و أحلامهم من ورق .. وقصائدهم من ورق ..

أما الملوك الحقيقيون ، فهم هؤلاء الذين كتبوا بمشتقات

الدم .. وحبر الحرية .. وجعلوا لغة الحجر لغة دولية تتكلمها

كل شعوب العالم .

من هم أطفال الحجارة ؟

ماذا فعلوا بلغتنا ، بكلامنا ، بتعابيرنا ، بمفرداتنا ، بشعرنا

بنثرنا ، بذاكرتنا البلاغية ، بخطابنا الشعري اليومي و المألوف ؟

أهم ما في أطفال الحجارة أنهم قاموا بانقلاب في ذاكرتنا

الشعرية و اللغوية و القومية و الثقافية ، و أحدثوا ( خضة ) في دورتنا

الدموية .

قبلهم كنا في حالة غيبوبة ، فرشونا بخراطيم المياه ،

و أخرجونا من غرفة العناية الفائقة .

قبلهم ، كان الشارع العربي باردا كالأسماك المجلدة

فأعادوا إلى أطرافنا الدفء و الحرارة .

قبلهم كنا يتامى .. و جاءوا هم ، فأعطونا هوية الانتماء ،

و أعادوا إلينا أسماءنا العربية

و أهم ما في أطفال الحجارة :

أنهم حملوا إلينا المطر .. بعد عصور من العطش

وحملوا إلينا الشمس .. بعد عصور من الظلام .

وحملوا إلينا الأمل .. بعد عصور من الإحباط و الانكسار

أهم ما فيهم إنه خرجوا على ( سلطتنا الأبوية ) ..

وفروا من ( بيت الطاعة ) .. وخالفوا أوامرنا ووصايانا ،

وقرروا أن يحكوا جلدهم بأظافرهم ..

أهم ما فيهم ، أنهم لا يشبهوننا ولا نشبههم ..

ـ وهذا من حسن حظهم ـ وقرروا أن يقاتلوا على طريقتهم ،

ويعيشوا على طريقتهم … ويموتوا على طريقتهم

أهم ما في أطفال الحجارة :

أنهم قلبوا الشاحنة التي كانت تسير بسرعة عشرة أمتار كل

أربعين سنة .. و التي كانت تسير على حطب الصبر ، واستبدلوها

بطائرة كونكورد تطير على نار الغضب


لقد ألغى أطفال الحجارة ، إجازات كل الشعراء العرب

و أجبروهم على أن يلبسوا الملابس المرقطة .. ويلتحقوا بالجبهة

أنا شخصيا قطعت إجازتي في سويسرا ، والتحقت بصفوفهم

لم يكن عندي خيار آخر

كان علي أن أكون معهم

أو أن أكون ضد الشعر .


إن الحجر الفلسطيني نسف إمارة الشعر من جذورها ، وصار

هو أمير الشعراء بلا منازع .

فالحجر الفلسطيني لم يكسر زجاج البيت الإسرائيلي فقط

وإنما كسر أيضا زجاج القصيدة العربية ، ووضعها أمام الأمر

الواقع ، وغير هويتها ، وخصائصها ، وملامحها الخارجية

و الداخلية


إنني أعتقد أن أطفال الحجارة ، نقلوا الشعر العربي من حال

إلى حال ، ومن مرحلة على مرحلة .

كما أعتقد أنهم أدخلوا الشعر العربي إلى حداثة من نوع

جديد ، هي حداثة المعاناة الواقعية التورية ، لا حداثة

الغموض ، و التغريب ، و الدهاليز الباطنية

وهكذا أسقط أطفال الحجارة ـ من جملة ما

أسقطوا ـ الخطاب الشعري القديم ، إلى جانب الخطاب السياسي

القديم ، وفتحوا أمامنا أبواب الثورة .. و الحرية .. و الحداثة

على مصراعيها .