المتنبي و أم كلثوم على قائمة التطبيع
عدد مرات القراءة : 24853
- 1 -
وصل قطار التطبيع الثقافي
إلى مقاهينا ...
و صالوناتنا ...
و غرف نومنا المكيفة الهواء ...
و نزل منه أشخاص غامضون
يحملون معهم معاجم ... ودواوين شعر
ومصاحف مكتوبة باللغة العبرية ...
و يحملون معهم جرائد تقول
إن شاعر العرب الأكبر ..
أبا الطيب المتنبي
صار وزيرا للثقافة في حكومة حزب العمل ! !
و أن مطربة العرب الأولى
السيدة أم كلثوم
سوف تغني قصيدة جديدة لشاعر إسرائيلي
و هكذا يستقيل الشعر العربي من كبريائه
وتنسى عصافيرنا
غناء المقامات و التواشيح ! !
ـ 2 ـ
هذا زمن التطبيع ... يا سيدتي
يهجم علينا بكل سماسرته ... وشيكاته ...
و مافياته ...
ليجردنا من آخر ورقة توت ... تستقر بها
أجسادنا ...
آخر قصيدة ندافع بها عن أنفسنا ..
هذا زمن ( التركيع ) .. يا سيدتي
يدخل علينا ...
مرة بشكل فيلسوف ..
ومرة بشكل كاهن
و مرة بشكل جنرال
و مرة بشكل كومسيونجي .
إلى أن يصبح الوطن العربي
مركزا للصرافة ...
وبيتا للدعارة ! ! ..
ـ 3 ـ
تطبيع في الصباح و تطبيع في المساء
و تطبيع في الشارع
وتطبيع في المقهى
حتى صرنا ( طبعة ثانية )
صادرة باللغة العبرية ..
من كتاب الأغاني ! ! ..
ـ 4 ـ
لذلك فكرت في تطبيع علاقاتنا العاطفية ...
قبل أن يصل المقاولون ...
و المتعهدون ...
و تجار الشنطة
و مندوب صندوق النقد الدولي ..
و ممثل G . A . T . T
وقائد حلف الناتو ...
و أميرال الأسطول السادس .
ورئيس مجلس إدارة النظام العالمي الجديد
وعندئذ ... يكون كل شيء جاهزا
للتوقيع على شهادة وفاة التاريخ العربي
بالسكتة القومية ! ! ...
ـ 5 ـ
أريد أن أطبع علاقتي ...
مع امرأة من لحمي و دمي ...
تعبق بشرتها
رائحة النرجس ، و الريحان ، و الورد البلدي
و الصابون النابلسي ...
و تتجمع في صوتها ... أسراب الحمام ...
وشُتول الياسمين الدمشقي ...
ـ 6 ـ
أريد أن أشرب قهوة الكابوتشينو ... معك ...
و آكل مناقيش الزعتر معك ...
و أتحدث في السياسة معك
وفي الثقافة معك ...
وفي الحب معك ...
و لا مع البولونيات ...و الهنغاريات ...
و التشيكيات ... و الروسيات ...
القادمة إلينا من حقائب أمريكية ...
ومعهن .. كل عناوين البيوت الفلسطينية ! ! ..
ـ 7 ـ
أريد أن ألثم يديك ...
قبل أن تفرغ أكواز العسل
و أن أتصالح مع شفتيك .
قبل أن يرحل موسم شقائق النعمان ..
و أن أعلمك أوزان الشعر
قبل أن يقتلوا الخليل بن أحمد الفراهيدي ! ! ...
ـ 8 ـ
أريد ...
أن أنام في جوف راحتيك الصغيرتين ...
قبل أن نصبح ـ أنت و أنا ـ
أعضاء في نادي العراة
و أقلية مضطهدة
في وطن يتدحرج ككرة البلياردو
تحت سواحل البحر الميت .
ـ 9 ـ
أريد ...
أن أسمعك قصيدة حب واحدة ..
فهذه فرصتي الثقافية الأخيرة
قبل أن يسجلوا صوتي
و يراقبوا هاتفي ..
ويراقبوا هاتفي ...
ويختموا بالشمع الأحمر ذاكرتي ...
هذه فرصتي الأخيرة ...
حتى أدافع عنك ... وعن حريتي
وعن زمن الشعر ... و الياسمين ...
ـ 10 ـ
أريد أن أحتفظ بآخر قميص كبرياء ألبسه
قبل أن يرموني كيوسف في غيابة الجب ...
و يكتموا خبر موتي ... عن أبي ...
ـ 11 ـ
أريد أن ألتصق بك قليلا ..
حتى أشعر بشيء من الدفء
وشيء من الأمان
وشيء من الكبرياء
و حتى أشعر أن هناك امرأة ...
تستطيع أن ترمم هذا الخراب
الذي يتراكم فوق قلبي ...
وفوق دفاتري ..
ـ 12 ـ
ربما كان الحب يا سيدتي
تعويضا عادلا .. عن هذا السقوط القومي
الكبير ...
وربما كان زورق النجاة الأخير ...
في بحر الكراهية العربي ...
وطوفان الشعوبية الجديدة ...
ـ 13 ـ
إن العالم كله يدور من حولي
و الصفقات المالية تعقد من ورائي
و المقاولون يملأون فنادق المنطقة ...
و البيع و الشراء في أوجه
و الدولارات تتناثر ...
و الضمائر تتناثر ...
و السماسرة يعدون الوثائق الرسمية ...
لبيع التاريخ ...
ـ 14 ـ
إن المشهد سينمائي حقا ...
فثمة دولة من أقاصي الخليج
لم يسبق لها أن جرحت إصبعها
في أية حرب مع إسرائيل ...
تتبرع بكتابة أول رسالة غزل مكشوف إليها ...
قبل عيد فالنتاين بوقت طويل ...
ـ 15 ـ
وثمة دول ...
أخذتها نوبة من النوستالجيا
إلى رحاب المسجد الأقصى
فرمت سفراءها بالباراشوت ...
ليحطوا سلاما على حائط المبكى ...
باعتبارهم من أهل العروس ! ! ...
حتى لا تضيع عليهم علبة الملبس ...
وفرصة التقاط الصور التذكارية ! ! ...
ـ 16 ـ
هذا هو مسرح اللامعقول
بل هذا هو المسرح التجريبي
الذي أدخل الجمهور العربي ...
في مرحلة الكوما ... و الصرع ...
و انهيار الأعصاب ...
ـ 17 ـ
الذين زاروا أخيرا ...
قبر صلاح الدين الأيوبي في دمشق
قالوا بأنه مصاب بحالة اكتئاب ...
و ممتنع عن قراء الصحف ... ومشاهدة
التلفزيون
و إنه يرفض إجراء أي حوار مع الصحافة
العالمية
حول التطبيع ... و المطبعين
و ( الهرولة ) ... و ( المهرولين )
ـ 18 ـ
اسمحي لي يا سيدتي
أن ألمس قفطان البروكار الدمشقي الذي تلبسينه ...
حتى أستعيد توازني النفسي ... و القومي
فأنا لا أفهم ...
لماذا لا يُطَبّع العرب مع العرب ... أولا ؟
و لماذا يتقاتل التاريخ مع التاريخ ؟
و القبيلة مع القبيلة ؟
و اللغة مع اللغة ؟ ..
ـ 19 ـ
أريد أن أسأل ...
لماذا في بلادنا ، تتقاتل الأفعال مع الأسماء ...
و الألف مع الباء ...
و الحليب مع الأثداء ...
و تقف النساء ضد حرية النساء ؟
ـ 20 ـ
ثم لماذا يفترس الإسلام نفسه ؟
و تنفجر العروبة من داخلها ...
كسيارة مفخخة ؟ ؟ ...
ـ 21 ـ
متى أتعلم الواقعية ؟
أو ما فوق الواقعية ؟
و أركض مع الراكضين
للحصول على شريحة لحم من كثف الوطن ؟
حيث الذبائح كثيرة
و الذابحون أكثر
و أنا أتطلع إلى المنسف الكبير
و لا أتجرأ على مد أصابعي
لأن أمي ـ رحمها الله ـ ولدتني نباتيا
يأكل حشيش الشعر ...
و حشيش الحب ...
و حشيش الأحلام ...
ـ 22 ـ
لماذا لم أتعلم من السلاحف فضيلة الزحف ؟
و من أسماك القرش ... فضيلة الانقضاض ؟
و من العلق ... فضيلة مص الدماء ؟
و من بعض الشعراء ... فضيلة الشحاذة ؟
ومن المستبدين العرب
فضيلة أكل شعوبهم .
ـ 23 ـ
متى سأستقيل من المدرسة الرومانسية ؟
التي بقيت فيها خمسين عاما ...
بهلولا يتسلى بكتابة الشعر !
ولم أحصل على صفقة واحدة ...
أو على رشوة واحدة ...
أو على فيلا واحدة ...
أو على امرأة واحدة ...
تتزوجني لوجه الشعر ...
أو لوجه الأدب العربي ...
أو لوجه الانحطاط العربي ؟ ؟ .
ـ 24 ـ
متى سوف أتوب عن الحب ... و عن الصراخ
و عن الكتابة ؟
لا جواب عندي الآن لهذه الأجوبة المستحيلة .
و لكنني سوف أجيبكم بعد موتي ! ! ...
هل تعرفين الآن يا سيدتي ؟
لماذا أريد تطبيع علاقاتي العاطفية معك ؟
لأنني أريد أن أحب امرأة عربية ...
امرأة عربية واحدة
لا تحمل على جسدها آثار التطبيع ! ! ...