إليه في يوم ميلاده
عدد مرات القراءة : 50091
زمانك بستانٌ .. وعصركَ أخضرُ
وذكراكَ ، عصفورٌ من القلب ينقرُ
ملأنا لك الأقداحَ ، يا مَن بِحُبّه
سكِرنا ، كما الصوفيُّ بالله يسكرُ
دخلتَ على تاريخنا ذات ليلةٍ
فرائحةُ التاريخ مسكٌ وعنبرُ
وكنت َ، فكانت فى الحقول سنابلٌ
وكانتْ عصافيرٌ .. وكان صنوبرُ
لمسْتَ أمانينا ، فصارتْ جداولاً
وأمطرتنا حبّاً ، ولا زلتَ تمطرُ
تأخّرت عن وعد الهوى يا حبيبنا
وما كنت عن وعد الهوى تتأخرُ
سَهِدْنا .. وفكّرنا .. وشاخت دموعنا
وشابت ليالينا ، وما كنتَ تحضُرُ
تعاودنى ذكراك كلّ عشيّةٍ
ويورق فكرى حين فيك أفكّر ..
وتأبى جراحى أن تضمّ شفاهها
كأن جراح الحبّ لا تتخثّرُ
أحبّكَ . لا تفسير عندى لصَبْوتى
أفسّر ماذا ؟ والهوى لا يُفسَّر
تأخرت يا أغلى الرجال ، فليلنا
طويلٌ ، وأضواء القناديل تسهرُ
تأخّرت .. فالساعات تأكل نفسها
وأيامنا فى بعضها تتعثّرُ
أتسأل عن أعمارنا ؟ أنت عمرنا
وأنت لنا المهدىّ .. أنت المحرّرُ
وأنت أبو الثورات ، أنت وقودها
وأنت انبعاث الأرض، أنت التغيّرُ
تضيق قبور الميتين بمن بها
وفى كل يوم أنت فى القبر تكبرُ
* * *
تأخرت عنّا .. فالجياد حزينة
وسيفك من أشواقه ، كاد يكفرُ
حصانك فى سيناء يشرب دمعَهُ
ويا لعذاب الخيل ، إذ تتذكّرُ
وراياتك الخضراء تمضغ دربها
وفوقك آلاف الأكاليل تُضْفَرُ
تأخرت عنا .. فالمسيح معذّبٌ
هناك ، وجرح المجدلية أحمرُ ..
نساء فلسطينٍ تكحّلن بالأسى
وفى بيت لحمٍ قاصراتٌ .. وقصّرُ
وليمونُ يافا يابسٌ فى حقولهِ
وهل شجرٌ فى قبضة الظلم يُزهرُ ؟
* * *
رفيق صلاح الدين .. هل لك عودةٌ
فإن جيوش الروم تنهى وتأمرُ
رفاقك فى الأغوار شدّوا سُروجَهم
وجندك فى حِطِّين ، صلّوا .. وكبّروا ..
تُغنّى بك الدّنيا .. كأنك طارقٌ
على بركات الله ، يرسو .. ويُبحرُ
تناديك من شوقٍ مآذنُ مكّةٍ
وتبكيك بَدر ٌ، يا حبيبى ، وخيبرُ
ويبكيك صفصاف الشام ووردها
ويبكيك زهرُ الغوطتين ، ودُمَّرُ
* * *
تعال إلينا .. فالمروءات أطرقتْ
وموطن آبائى زجاج مكسّرُ ..
هُزمنا .. وما زلنا شِتاتَ قبائلِ
تعيشُ على الحقد الدفين وتثأرُ
رفيق صلاح الدين .. هل لك عودةٌ
فإن جيوش الروم تنهى ، وتأمرُ
يحاصرنا كالموت ألفُ خليفةً
ففى الشرق هولاكو .. وفى الغرب قيصرُ
* * *
أبا خالدٍ أشكو إليك مواجعى
ومثلى له عذرٌ .. ومثلك يعذرُ
أنا شجرُ الأحزان ، أنزفُ دائماً
وفى الثلج والأنواءِ .. أعطى وأُثمرُ
يثيرُ حزيرانٌ جنونى ونقْمتَى
فأغتال أوثانى .. وأبكى .. وأكفرُ
وأذبح أهلَ الكهف فوق فراشهم
جميعاً ، ومن بوّابة الموت أعبرُ
وأترك خلفى ناقتى وعباءتي
وأمشى .. أنا فى رَقْبة الشمس خِنجرُ
وأصرخُ : يا أرض الخرافات ِ.. إحْبلى
لعلَّ مسيحاً ثانياً .. سوف يظهرُ ..